ثم قال: والذي يعني الإنسان من أمر معاشه –يعني الذي بواسطته يحقق الهدف من وجوده– ما يشبعه من جوع، لكن لو زاد على ذلك؟ عاد عليه بالضرر، زاد عليه بالتخمة والأمراض، ويرويه من عطش، فإن زاد على ذلك؟ كذلك، ويستره من ظهور عورته، ويعفه من زنا، وما تعلق بذلك على جهة دفع الضرورة، لا على جهة التلذذ والتمتع والاستكثار، ولا يمنع الشرع من أن يتمتع الإنسان بهذه الوسائل التي يحقق بها الهدف، ولذلك جعل في بضع أحدكم صدقة، أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر؟ قال: ((نعم)) له أجر، الشرع لا يمنع من التلذذ ولا يمنع من الانتفاع بما أباحه الله -جل وعلا-.
لكن الإنسان إنما يستعمل هذه الأمور ليستعين بها على طاعة الله -جل وعلا- لينال بها وهي أمور عادية، أمور يضطر إليها الإنسان تنقلب بالنية الصالحة بالاستعانة بها على طاعة الله -جل وعلا- تنقلب عبادات والذي يعنيه من أمر معاده الإسلام والإيمان والإحسان، والذي يعنيه من أمر معاده ما جاء في حديث جبريل، الإسلام والإيمان والإحسان، والإمعان في هذا والاستكثار منه أولى من الإقلال والاختصار بخلاف الأول، الإمعان من أركان الإسلام وشرائعه من الإيمان وما يعالج أمراض القلوب من الإحسان والمراقبة لله -جل وعلا-، الإكثار من هذا أولى من الإقلال، بخلاف الإكثار من أمور الدنيا أمور المعاش، الإقلال منها أولى، لكن لا يصل الحد من الإقلال في أمور الدنيا، إلى أن يصل إلى حد يتضرر به البدن، بحيث لا يستطيع القيام بما أوجب الله عليه، ولا يصل الإكثار من بعض أبواب الدين الإخلال بما هو أهم منها وأوجب، جاء في الحديث: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) يعني الإكثار من الصلاة، من نوافل العبادة، من قراءة القرآن، من الذكر، من نفع الناس العام والخاص، النفع المتعدي واللازم، هذه أمور مطلوبة شرعاً؛ لكن مع التوازن.
ومن المصالح العظيمة في هذه الشريعة الكاملة تنوع العبادات، نعم بعض الناس يفتح له باب وتصعب عليه أبواب، وهذا الباب يكون أنفع لقلبه، نقول: الزم هذا الباب ولا تنس الأبواب الأخرى، فبعض الناس عنده استعداد يجلس يقرأ القرآن في اليوم عشر ساعات، لكن يقوم ليصلي ركعتين أثقل عليه من الجبل، وبعض الناس عنده استعداد أن يصلي من ارتفاع الشمس إلى الزوال أكثر من ركعة، لكن تقول له: اجلس اقرأ القرآن صعب عليه، نعم نقول: من فتح له باب موصل إلى مرضاة الله يلزم هذا الباب، لكن لا يفرط في الأبواب الأخرى، ولذا تنوع العبادات في الشرع مقصد عظيم والجنة لها أبواب وكل باب يدعى منه فئة من الناس، لكن من الناس من يدعى من جميع هذه الأبواب، يعني من عمل بجميع شرائع الدين يدعى من جميع هذه الأبواب، ومنهم أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه-، لكن بعض الناس تثقل عليه الصلاة ويخف عليه الصيام يثقل عليه الصيام ويخف عليه تلاوة القرآن، يثقل عليه الذكر ويهون عليه الجهاد وهكذا، هذه أبواب كلها موصلة إلى الجنة وإلى مرضاة الله -جل وعلا- فعلى الإنسان أن يلزم ما فتح له من أبواب، وسهل عليه من طريق، ولا ينس الأبواب الأخرى، لا سيما ما أوجب الله عليه منها.
يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "ليس المراد أن يترك ما لا عناية له به، ولا إرادة بحكم الهوى وطلب النفس، بل بحكم الشرع والإسلام، ولهذا جعله من حسن الإسلام" أيش معنى هذا الكلام؟
بعض الناس يترك كثير من الأمور لأن هواه ورغبته لا تقبل مثل هذا الأمور، يترك التدخل في أمور الآخرين لبعدهم عنه مثلاً، هو لا يستطيع أن يكلف نفسه أن يذهب إلى فلان أو علان، تركه لا تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا بحكم الشرع وإنما لهوى النفس، فإذا حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه في الإسلام من الأقوال والأفعال، فإن الإسلام يقتضي فعل الواجبات كما في حديث جبريل، ويدخل فيه ترك المحرمات كما في حديث أبي موسى في الصحيحين وغيرهما عن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل: أي المسلمين أفضل؟ قال: ((من سلم المسلمون من لسانه ويده)) حديث جبريل في الأفعال، فسر الإسلام بالأفعال، وهذا الحديث يدل على أن ترك المحرمات من الإسلام، أي المسلمين أفضل؟ قال: ((من سلم المسلمون من لسانه ويده)) يعني ترك ما يضر بالآخرين، وسلم الناس منه، وهذا في باب الترك.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((المسلم أخو المسلم، فلا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) وهذا في انتهاك المحرمات.
إذا حسن إسلام المرء بفعل الواجبات وترك المحرمات اقتضى ترك كل ما لا يعنيه، كل ما لا يعنيه اقتضى تركه، إذا حسن إسلامه بفعل الواجبات اقتضى حسن إسلامه ووفق لترك كل ما لا يعنيه من المحرمات مرة أخرى والمشتبهات والمكروهات ومن المباحات التي لا يحتاج إليها، قد يقول قائل: المباحات لماذا تترك؟ الإكثار من المباحات وتمرين النفس عليها، وتعويد النفس عليها لا شك أنها تكون وصف ملازم لهذه النفس، بحيث لو طلبها فلم يجدها من بابها، من أبوابها المباحة لا شك أن النفس تستدعيه إلى أن يطلبها من الوجوه التي فيها شيء من الكراهة، إذا لم يجد في الأبواب التي فيها الكراهة وتساهل في أمور الشبهات ثم بعد ذلك قاده ذلك وجره إلى ارتكاب المحرمات، ولهذا كان السلف يتركون كثير من المباحات خشية أن يقعوا أو يجرهم الاسترسال في هذه المباحات إلى انتهاك المحرمات؛ لأن النفس راغبة إذا رغبتها، إذا رغبتها راغبة، لكن إذا ترد إلى قليل تقنعُ.
النفس كالطفل إن تهمله شب على *** حب الرضا وإن تفطمه ينفطم
النفس لا شك أنها تحتاج إلى الوقوف إلى أن تؤطر وتقصر ما لا يمكن تجاوزه، فإذا ترك المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها فإن هذا كله -مما ذكر- لا يعني المسلم، المحرمات لا تعنيه، المكروهات لا تعنيه ليس بحاجة إليها، إذا ترك فضول المباحات لم يحتج إلى المكروهات، وإذا ترك المكروهات ففراره عن المحرمات من باب أولى، والمسألة توفيق من الله -جل وعلا-، وبذل من الإنسان وسعي من الإنسان، الإنسان إذا فطم نفسه عن بعض المباحات التي لا يحتاج إليها لا شك أنه سوف يوفق إلى ترك المكروهات فضلاً عن المحرمات.
إذا كمل إسلامه وبلغ إلى درجة الإحسان، كمل إحسانه وتم إيمانه وبلغ إلى درجة الإحسان، وهو أن يعبد الله -جل وعلا- كأنه يراه، نعم من الذي دعاه إلى ترك هذه المباحات؟ وما الذي حمله على ترك المكروهات والمحرمات؟ مراقبته لله -جل وعلا-، هذه المراقبة بعد أن راقب الله -جل وعلا- في ترك المباحات، ترك فضول المباحات، لا ..... مباحات، لأن الله أحل الطيبات، ترك الفضول من المباحات والمكروهات والمحرمات الذي دعاه إلى ذلك المراقبة لله -جل وعلا-، هذه المراقبة إذا تولدت عند الإنسان هي درجة الإحسان، وهذه الدرجة أن يعبد الله -جل وعلا- كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه، فمن عبد الله على استحضار قربه ومشاهدته بقلبه، أو على استحضار قرب الله منه وإطلاعه عليه فقد حسن إسلامه، يعني الأكمل أن تعبد الله -جل وعلا- كأنك تراه، فاستحضر هذا، إن لم تستحضر هذا والمسألة يعني عون من الله -جل وعلا- استحضر أن الله -جل وعلا- مطلع عليك، وحاسب نفسك وراقب ربك في أي عمل تريده، فمن عبد الله على استحضار قربه منه ومشاهدته بقلبه أو على استحضار قرب الله منه وإطلاعه عليه فقد حسن إسلامه، ولزم من ذلك أن يترك كل ما لا يعنيه في إسلام وليشتغل بما يعنيه فيه.
كثير من الناس جهودهم يضيع أكثرها في لا شيء، تجده وهو سائر في الطريق .......، هذه العمارة لو أن لونها كذا كان أفضل، لو أن الحجر من هنا، لو أن كذا، يضيع عمره في هذا، فلان لو عمل كذا لو قدم كذا لو أخر كذا، عليك بخاصة نفسك، ما أنت مسؤول عن غيرك، نعم أنت مكلف بدعوة الآخرين بإرشاد الآخرين بتوجيه الآخرين في منعهم مما يضرهم، نعم أنت مكلف بهذا، لكن الأمور التي لا قيمة لها والتي ليست من المقاصد، وليست مما خلقت من أجله ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)).
إذا حقق المسلم منـزلة المراقبة واستحضر قرب الله منه استحيا منه، يعني لو تصورنا أن الزاني وهو يزاول هذه الفاحشة يستحضر أن الله -جل وعلا- مطلع عليه، ما أقدم على هذه المعصية، لو استحضرنا أن المرابي وهو يعقد الصفقة يستحضر أن الله مطلع عليه وأنه يزاول حرب الله -جل وعلا- ما أقدم على هذا العمل، لكن الذي يقود إلى هذه الأمور الغفلة، والغفلة عقوبة من الله -جل وعلا-، سببها ما يغطي القلوب من غشاوة الذنوب، هذا هو الران، إذا حقق المسلم منـزلة المراقبة واستحضر قرب الله منه واستحيا منه، وترك ما يسخطه بل ما لا يقرب إليه، واهتم بما يقرب منه حتى تقر عينه بعبادته، ويأنس بمناجاته، ويستوحش من غيره، يعني نسمع في سير المتقدمين التلذذ بمناجاة الله، الوحشة من مجالسة المخلوقين، أظن هذا ضرب من الخيال لماذا؟ لأن الإنسان يؤدي هذه العبادة على وجه قد لا يكتب له من أجرها شيئاً، يأتي بشروطها وأركانها، لكن لا يحضر قلبه في جزء منها، مثل هذه العبادة يتلذذ بها صاحبها؟ يرتاح بها المتعبد؟ هذه الصلاة التي يكبر تكبيرة الإحرام ويسلم وما استحضر منها شيء مثل هذه العبادة يتلذذ بها صاحبها؟! يتلذذ بمناجاة ربه إذا سجد وانطرح بين يديه؟ أبداً، تجده متى ينتهي من أداء هذه العبادة الآن وجدت الساعات في جدران المساجد تجد الإنسان ينظر إليها من دخوله من تكبيره الإحرام إلى السلام وعينه في الساعة متى ينتهي؟ لماذا؟ يروح يستأنس مع فلان وعلان، عكس ما عليه سلف هذه الأمة، من أنسهم بالله وتلذذهم بمناجاته واستياحشهم من غيره، والله المستعان.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.
أقول: إذا حقق المسلم منـزلة المراقبة واستحضر قرب الله منه واستحيا منه وترك ما يسخطه وما لا يقرب إليه واهتم بما يقرب منه حتى تقر عينه بعبادته ويأنس بمناجاة ربه ويستوحش من غيره كما حصل ذلك لسلف هذه الأمة، بخلاف من غفل عن مراقبة الله -جل وعلا- فإنه لا يتلذذ بالعبادة، بل تثقل عليه ويأنس بغيره وهذا أمر مشاهد ومجرب.
مكانة هذا الحديث عند أهل العلم:
هذا الحديث كما قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-: أصل عظيم من أصول الأدب، ويعني بالأدب الأدب الشرعي، المراد بالأدب هنا الأدب الشرعي، المستمد من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- بخلاف ما تعارف عليه الناس من تسمية العلم القسيم للتاريخ وغيره من العلوم بعلم الأدب الذي هو يسمى أدب درس لا أدب نفس، هذا العلم المسطر في كتب غالبها لا يسلم من قلة الأدب، بل من فقد الأدب، جل كتب الأدب -مع الأسف الشديد- لا يسلم من فقد الأدب من المجون والسخرية والاستهتار وإيراد ما ينافي الفضائل من أخبار المردان وقصصهم التي يستحي العاقل من قراءتها بمفرده فضلاً عن ذكرها وروايتها كالأغاني وغيره من الكتب التي سودت بها الصحف.
فالحديث كما قال ابن رجب -رحمه الله تعالى-: أصل عظيم من أصول الأدب، وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح، مع الأسف الشديد أن يوجد من يروج لمثل هذا الأدب الماجن، وينعى على من يتكلم فيه، أو يهذب كتبه، نعم ينتقد بعض الأدباء المعاصرين ينتقد كتاب (زهر الآداب) للحصري، هذا الكتاب من أنظف كتب الأدب، يقول: أنه أغفل جانب مهم من جوانب الأدب من أهم جوانب الأدب الذي هو المجون، يقول: الحياة تفقد حيويتها حينما تكون أدب خالص، هذا كلام عاقل هذا؟ هذا كلام عاقل يتعامل مع نصوص الكتاب والسنة؟ هذا كلام أقل أحواله أنه سكران، أذهب إلى أبعد من ذلك فأقول: إن بعض الغي رشد، هذا أدب هذا؟ هذا سوء أدب.
فالحديث أصل عظيم من أصول الأدب، وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح عن أبي محمد بن أبي زيد إمام المالكية القيرواني في زمانه أنه قال: جماع آداب الخير وأدلته تتفرع من أربعة أحاديث: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل: خيراً أو ليصمت)) يعني من التزم هذا الأدب يقول: خير أو يصمت، هذا يرتاح من أمور كثيرة، ويرتاح أو يسد على نفسه باب عظيم من أبواب كسب السيئات، يقول: خيراً أو ليصمت، وقوله: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) وقوله -عليه الصلاة والسلام- لمن طلب منه الوصية: ((لا تغضب)) وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) والحديث منطوقه يدل على مدح ترك ما لا يعني، منطوق الحديث يدل على مدح ترك ما لا يعني، مفهومه يدل على الحث على اشتغال الإنسان بما يعنيه، يعني إذا مدح في ترك ما لا يعنيه، فمفهومه –مفهوم المخالفة لهذا الخبر– أنه يمدح بفعل ما يعنيه، الحث على اشتغال الإنسان بما يعنيه من أمور الدين والدنيا، فالحديث بمنطوقه ومفهومه من جوامع الكلم التي تجمع خيري الدنيا والآخرة.
يقول الطوفي: واعلم أن كل شيء فإما أن يعني الإنسان أو لا يعنيه، وعلى التقديرين: فإما أن يفعله الإنسان أو يتركه، فهي أربعة أقسام، يعني قسمة منطقية، تمامها أربعة أقسام ذكر منها اثنين، القسم الأول: فعل ما يعني وترك ما لا يعني، وهما حسنان، يعني فعل ما يعني وترك ما لا يعني هذان حسنان يقول، الثاني: يقابله، ترك ما يعني وفعل ما لا يعني، وهما قبيحان، ترك الثالث والرابع للعلم بهما، أنه للتزاوج، فعل ما يعني وما لا يعني هذا حسن من وجه قبيح من وجه، الرابع: ترك الأمرين، ترك ما يعني وما لا يعني، هذا أيضاً قبيح من وجه وحسن من وجه، وإذا عرفنا هذا فمما لا يعني فضول الكلام، فضول الأكل، فضول النوم، فضول النظر، الفضول بعمومها لا تعني المسلم، والخطرات، الهواجس، الأماني كلها لا تعني المسلم التي تحول دون الإنسان وتحصيل ما ينفعه في معاشه ومعاده، وهي من أعظم مداخل الشيطان إلى قلب العبد، فمن وفق لترك ما لا يعني من الكلام من المباح فضلاً عن المحرم من الغيبة والنميمة وغيرها لا شك أن هذه علامة لإرادة الخير للإنسان، ومن كلام السلف: من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه إلا فيما ينفعه، أن يقل خيراً.
وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- : من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.
قال ابن رجب -رحمه الله تعالى- وهو كما قال: فإن كثيراً من الناس لا يعد كلامه من عمله فيجازف فيه، ولا يتحرى، وقد خفي هذا على معاذ بن جبل -رضي الله عنه- حتى سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أنؤاخذ بما نتكلم به؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم -أو قال-: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)).
احفظ لسانك أيها الإنسانُ *** لا يلدغنك إنه ثعبانُ
ومع الأسف الشديد أن حال كثير من المسلمين اليوم بل يوجد في طلبة العلم -مع الأسف الشديد- من وظف نفسه للقيل والقال فيما لا يعني.
يقول ابن رجب: وهذا يدل على أن كف الإنسان وضبطه وحبسه هو أصل الخير كله، وأن من ملك لسانه فقد ملك أمره وأحكمه وضبطه، وقال: والمراد بحصائد الألسنة جزاء الكلام المحرم، وعقوباته فإن الإنسان يزرع بهذه الدنيا بأقواله وأعماله، يقول: فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات، يعني فاختر لنفسك. يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيراً من قول أو عمل حصد الكرامة، ومن زرع شراً من قول أو عمل حصد غداً الندامة، وحديث معاذ يدل على أن أكثر ما يدخل النار النطق؛ لأن معصية النطق يدخل فيها الشرك بالله -جل وعلا- وهو أعظم الذنوب عند الله -عز وجل-، ويدخل فيها القول على الله بغير علم، وهو قرين الشرك، القول على الله بغير علم {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ}[(116) سورة النحل] يعني الفتوى بغير علم تدخل دخولاً أولياً في مثل هذا، ولو لم يكن في الباب إلا قوله -جل وعلا-: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ}[(60) سورة الزمر] الأمر ليس بالسهل ليس بالهين، احفظ لسانك، ويدخل فيها شهادة الزور التي عادلت الإشراك بالله -عز وجل- ويدخل فيها القذف وغير ذلك من الكبائر والصغائر، كالكذب والغيبة والنميمة وسائر المعاصي الفعلية لا يخلو غالباً من قول يقترن بها يكون...... عليها, هل يمكن أن ينفك غناء عن قول مثلاً؟ ما يمكن، هل ينفك ربا عن قول؟ ما يمكن، فأكثر ما يورد الناس المهالك هو القول، لأنه قد وجد دون فعل، والفعل لا يمكن أن يوجد دون قول، وفي حديث معاذ السابق الذي سبق بعضه، سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن عمل يدخل الجنة ويباعده فيه عن النار، وأخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سأله عن عظيم، لكنه يسير على من يسره الله عليه، فأخبره بشرائع الإسلام المدخلة الجنة، قال بعد ذلك: ((ألا أخبرك بملاك ذلك كله)) قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه، وقال: ((كف عليك هذا)) قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟.. الحديث، فقال: ((ثكلتك أمك يا معاذ)).
ففي هذا بيان خطر اللسان، وأنه هو الذي يوقع في المهالك، وأن ملاك الخير في حفظه حتى لا يصدر منه إلا ما هو خير، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: ((من يضمن لي ما بين لحييه ورجليه أضمن له الجنة)) وقال -عليه الصلاة السلام- وقد تقدم ذكره: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل: خيراً أو ليصمت)) وثبت في الحديث الصحيح: ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً)) وهذا الحديث الصحيح.......
فالأمور خطيرة جداً، فليحذر المسلم -لا سيما طالب العلم- من الوقيعة في الناس، لا سيما في أهل العلم، أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، عذاب القبر بسبب أمرين: الاستنزاه من البول، والمشي بين الناس بالنميمة، والنميمة قول، من حصائد اللسان، فليحذر طالب العلم من الوقيعة في الناس لا سيما أهل العلم، والملاحظ أن من يعتني بذلك ويتصدى له أنه في الغالب يخسر بركة العلم والعلم، عقوبة من الله -جل وعلا-، ويزين له الشيطان أنه على ثغرة، جرح وتعديل والكلام في فلان وعلان، هذا يا أخي أهل العلم إنما جوزوا الكلام في الرواة في الجرح والتعديل للأثر المترتب على ذلك، بل أوجبوه لماذا؟ لأنه لا يمكن معرفة الصحيح من الضعيف من سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا بهذا، لكن جرحت فلان أو علان من الناس لا دخل له من قريب ولا بعيد في الرواية أنت الآن عرضت نفسك، فاحفظ لسانك أخي.
وأما فضول الأكل، فلا شك أن الإنسان إذا أكثر الأكل ثقل بدنه وعاقه ذلك عن تحصيل الفضائل، وجره إلى الإخلاد إلى الراحة والكسل وكثر نومه وحرم بسبب ذلك النشاط للعبادة، فمن كان هذا وصفه لا شك أن يستثقل العبادة من الصلاة والصيام وغيرهما مما يقرب إلى الله -عز وجل-.
النوم، النوم لا سيما الذي يعوق عن تحصيل الفضائل سببه الأكل، ففضول هذا يجر إلى فضول هذا، وكلاهما مذموم، وأما السهر فهو مكروه شرعاً، والمذموم من النوم سببه كثرة الأكل قد يكون للسهر دخل في كثرة النوم؛ لأن الإنسان إذا سهر في الليل وطال الكلام وأمضى ليله بدون فائدة، فإنه لا شك أنه يعاقب بأن ينام اليوم التالي ولا يفيد النوم، والسهر كما هو معروف مكروه شرعاً، فكان -عليه الصلاة والسلام- يكره الحديث بعد صلاة العشاء، والمذموم من النوم هو القدر الزائد على ما يحفظ الصحة ويعين على الطاعة. والكلام في هذا يطول جداً.
أما فضول النظر أيضاً لا شك أنه يقود إلى ما لا تحمد عقباه، لا سيما النظر إلى المحرمات، وقد كان الناس منهم المبتلى بالنظر إلى النساء، والنساء خروجهن قليل، والمبتلى بهذا قليل، لكن الآن بعد انتشار هذه الآلات ودخولها في أعماق البيوت، هذه ابتلي بها كثير من المسلمين مع الأسف الشديد، بل يوجد من كبار السن من ابتلي بمشاهدة هؤلاء النسوة العاريات المومسات، الإنسان يستثقل ويستبشع دعوة أم جريج عليه، ويقع فيها كل ليلة، لا يموت حتى يرى وجوه المومسات، تجد هذا ليل ونهار ينظر في وجوه المومسات الأمر ليس بالسهل، وقد عوقب كثير من المسلمين بالتخلف عن الصلوات بسببها، تجده من قناة إلى قناة إلى أن يخرج وقت الصلاة، كبار سن عمار مساجد في الستين والسبعين كانوا عمار مساجد ابتلي بالسهر مع هذه القنوات، ومع ذلك الآن يتركون صلاة الفجر مع الجماعة، هذه عقوبات، هذه فيها خطر أن يفتن في آخر لحظة إذا ابتلي بهذه الأمور.
الخطرات والهواجس والأماني:
وأما الخطرات والهواجس والأماني التي تعوق عن ذكر الله -عز وجل-، بحيث ينشغل الإنسان بها عن ذكر الله -عز وجل- والتفكر في عظمته وبديع صنعه فأمر خطير جداً، وكذلك الأماني التي تعوق عن الاستعداد ليوم المعاد، كما جاء في الحديث الصحيح: ((يشب ابن آدم ويشب معه خصلتان: حب الدنيا، وطول الأمل)) فمن أطال الأمل لا شك أنه يسوف في العمل، فإذا جاءه أمر الله بغتة ندم ولات ساعة مندم، فحري بالمسلم -لا سيما طالب العلم- أن يشمر في طلب ما يرضي الله -عز وجل- ويقرب إليه ويترك ما لا يحتاج إليه من هذه الأمور، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأسئلة:
هذا سائل يقول: يا فضيلة الشيخ ورد عن بعض الصحابة قولهم إذا سئلوا في أمر: أوقع هذا؟ فإن وقع حدثوا فيه بما يعلمون، وإن لم يقع قالوا: دعوه حتى يقع؟ فهل يدخل هذا في ترك ما لا يعني؟ وما حكم الاشتغال بمعرفة أحكام ما لا يتعلق بالذمة، أو ما لم يقع؟ وهل يعتبر ناقل الفتوى من القائل على الله بغير علم؟
أما ما عرف عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين من تدافعهم الفتوى، لعلمهم بخطرها، وعظم شأنها فالمفتي موقع عن الله -جل وعلا-، فإذا وجد من ينوب بها ويقوم بها ويسقط الواجب فعلى الإنسان أن يدفعها، ومن وجوه الدفع أن يقال للسائل إذا كان السؤال لا فائدة عملية من ورائه، أن يسأل: هل وقع أم لم يقع؟ وهذا وجه من وجوه الدفع، أما إذا كان السائل من طلاب العلم الذي يريد أن يعرف هذه المسألة، وما تفرعت عنه، ويقيس عليها نظائرها، كما وجد من العلماء الأئمة المتبوعين في كتبهم و كتب أتباعهم من تفريع المسائل وتشقيق المسائل لتمرين الطلاب، لتمرين الطلاب عليها، هذا لا بأس والحاجة داعية إليه، لكن إذا عرف من السائل أنه لا يستفيد من هذا السؤال، يصرف عنه، ويصرف عنه بما هو أهم منه، فإذا سأل شخص أمر لا يحتاجه أجيب بما يحتاج إليه، بقدر الإمكان، وهذا يسمونه الأسلوب الحكيم، قد يسأل الإنسان سؤال ليس بحاجته، سأل طفل في الثالثة ابتدائي سأل أحد الشيوخ قال: ما حكم حلق شعر الصدر؟ الطفل ما بعد صار له شيء، قال: أنت هذا السؤال لا ينفعك ولا يفيدك، فاسأل عما يفيدك، مثل هذا السؤال تعرف أنه ليست واقعة نازلة لا يجوز كتم العلم فيها، هذه كتمها فيها مندوحة، فكون الإنسان يصرف عن سؤاله إلى ما هو أهم منه، لا سيما إذا ظهر من السائل أنه لا علاقة له بالسؤال، أو لا يعنيه السؤال، كالعامي أو آحاد الناس، يسأل في مسائل عملية كبرى، قد يكون فيها مصير للأمة بكاملها، يسأل واحد من أفراد الناس، يصرف عنها، هذا السؤال لإنسان له دور له أثر، إذا عرف الجواب، فيصرف إلى ما يعنيه، فالسؤال يدخل، الذي لا يعني الشخص يدخل دخولاً أولياً في حديث اليوم: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) قد يجاب بعض الناس إذا سأل بعض الأسئلة أن يقال: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) ويجاب بهذا؛ لأن هذا الأمر لا يعنيك.
أما ناقل الفتوى إذا كان المفتي الأول ممن تبرأ الذمة بقوله، فناقل الفتوى مأجور، مأجور مشيع للخير، أما إذا كانت الفتوى ممن لا تبرأ الذمة به، أو مما هو من زلات العلماء فهذا لا شك أنه إشاعة لمثل هذه الزلات، ولا يجوز.
وهذا يقول: كثير من الشباب الذين يشتغلون بطلب العلم ضعفت همتهم وخفت عزيمتهم بسبب الظروف الراهنة، والمصائب الحالة على المسلمين، وصرنا نسمع عبارات منها قول بعضهم: إلى متى تقرؤون هذه الكتب القديمة، وإخوانكم يقتلون في كل مكان، إلى آخر مثل هذه الأقوال. فما توجيهكم حفظكم الله؟
هذا الأسلوب أسلوب تخذيل؛ لأن الإنسان الذي يقول مثل هذا الكلام لم يسع إلى حل ينفع الأمة ويخرجها من مأزقها أبداً، هو يردد هذا الكلام ليخذل من شمر في طلب العلم، وليس بيده حل آخر، ولا أنفع للأمة بكاملها من الرجوع إلى دين -جل وعلا- وإلى كتابه إلى دستورها العظيم.
هو الكتاب الذي من قام يقرؤه *** كأنما خاطب الرحمن بالكلم
فيه المخرج من جميع الفتن، فإذا تركنا كتاب الله -جل وعلا-، وتعلقنا بتحليلات صحف وأخبار إذاعات وقنوات ماذا نجني؟ ماذا نجني من ضياع الوقت في هذه الأمور التي نجد أننا على ثغر ونتابع الأخبار وقد لا نقدم ولا نؤخر، لكن على طالب العلم أن يعنى بما هو بصدده من طلب العلم وتحصيله وإصلاح نفسه وإصلاح من تحت يده، ومن يستطيع إصلاحه، هذا هو الواجب في مثل الظروف، والالتفات إلى أهل العلم والالتفاف حولهم، والاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وبسلف هذه الأمة.
كثيرة الأسئلة التي سطرت بمحبتك في الله يا فضيلة الشيخ؟
أحبكم الله الذي أحببتموني فيه.
وهذا سائل يقول: ما رأيك بما يستشهد بهذا الحديث على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي جاء الأمر به والتأكيد عليه، حتى عده جمع من أهل العلم ركن من أركان الإسلام ((من رأى منكم منكراً فليغيره...)) هل نستطيع أن نقول: هذا لا يعنينا؟ هل يستطيع مسلم أن يقول: هذا لا يعنيني؟ مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من رأى منكم منكراً فليغيره....)) {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ}[(104) سورة آل عمران] مع هذه النصوص يستطيع ساذج فضلاً عن طالب علم أن يقول: هذا الأمر لا يعنينا ليدخل في الحديث: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) هو يعنيك بالدرجة الأولى، لا سيما إذا رأيت هذه المنكرات، فالحديث: ((من رأى منكم منكراً...)) المنكر يعني كل من رآه، فهو مأمور بتغييره، لكن التغيير يختلف من شخص إلى شخص، منهم من يستطيع التغيير بيده، يلزمه ذلك، منهم من لا يستطيع التغيير بيده ينتقل على الثاني يغير بلسانه، منهم من لا يستطيع التغيير بلسانه ينتقل إلى التغيير بالقلب، على أن لا يغير المنكر بما يترتب عليه منكر أعظم منه، المسألة تحتاج إلى سياسة شرعية، أما كون المنكر لا يعنينا هذا الكلام ما هو بصحيح، يعنينا بالدرجة الأولى، نحن مأمورون بتغييره، كل من رأى المنكر مأمور بتغييره، إلى أن يتغير المنكر، ويأثم من لم يغير المنكر.
الأمر الثاني: أن المنكر لا سيما المنكر الظاهر، سبب لهلاك الجميع، فإذا كثر الخبث وانتشر ولا يوجد من يغيره ومن ينكره هلك الناس، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم، إذا كثر الخبث)) فإذا تتابع الناس على عدم الإنكار وتواطؤا على ذلك، وشاعت المنكرات انتشرت فما يقال: بكثير من المعاصي الآن عمت بها البلوى، هل تريدون مثل هذا أن تعم البلوى بالزنا؟ أن تعم البلوى بالربا؟ فلا يستطيع الناس الانفكاك منه، إذا تواطأ الناس على تركه رآه فلان وفلان وعلان ........ بينهم بحيث لا يستطيعون دفعه، تواطأ الناس على السكوت على بعض المنكرات التي هي في نظرهم صغيرة استفحلت وانتشرت بحيث صح فيها أن يقال: أنها عمت بها البلوى، فلا نستطيع إنكارها، عموم البلوى بها ضريبة السكوت الأول، فإذا كان مثل هذا القائل يرى أن الناس لا ينكرون المنكرات يرى هذا خلا بامرأة، وهذا يعقد صفقة ربا، وهذا يقذف فلان ولا ينكر، إيش معنى هذا الكلام؟ هذه المخالفة لأمره -عليه الصلاة والسلام- وأمر الله -جل وعلا- من قبل ذلك؛ فلا شك أنها من أعظم المنكرات، وإذا رأى الناس المنكر ولم يغيروه ماذا يحدث لهم؟ أوشك الله أن يعمهم بعقابه، نسأل الله -جل وعلا- أن يلطف بنا.
وهذا سائل يقول: ما رأيك في موقع الدرر السنية على الإنترنت الخاص بالحكم على الأحاديث من خلال أقوال العلماء وهل هو موثوق؟
أنا لا أدخل في المواقع ولا أعرفها، لا أدخل المواقع ولا أعرفها، لكن ينقل لنا بعض الأشياء من بعض المواقع لكن تصوري ليس بكامل عن هذا الموقع، فلا أستطيع الحكم عليه.
وهذا سائل يقول: هل الحديث عن الأحوال التي تمر بها الأمة وتحليلها ومتابعة أحداثها كما يحصل في العراق وفلسطين وغيرها يوماً بعد يوم يعد من ترك ما لا يعني؟
أما الاهتمام بشؤون المسلمين، الاهتمام بأمور المسلمين هذا أمر لا بد منه، ولا بد أن يكون الإنسان على اطلاع، لا يكون الإنسان مغيب، لا وجود له في المجتمع، عليه أن يطلع، لكن عليه بالتوازن، يطلع إطلاع ينفعه، وينفع غيره، يقدم حلول ممكنة، أما يطلع ويختفي بعدين ثم الفائدة إيش؟ لا بد إذا اطلع أن يسعى بجهده وطريقته بالأسلوب المناسب لبذل ما ينفع في حل هذه المشكلات، أما أن يصرف جهده ووقته ويفني عمره بالإطلاع من دون حل هذا لا ينفع، بل ينصرف إلى ما هو أهم منه.
فعلى الإنسان ألا يكون غفل لا يعرف ما يدور في أمته وحوله، وعليه أيضاً ألا يصرف جهده إلى مثل هذه الأمور التي نفعها -إن وجد- لا سيما من آحاد الناس الذين لا يقدمون ولا يؤخرون، نفعها أقل من الانصراف بالكلية إلى تعلم العلم الشرعي والعمل به.
وهذا هو السؤال الأخير يقول: فضيلة الشيخ آمل من فضيلتكم أن تضعوا قواعد يوازن الشباب بها بين طلب العلم والدعوة والعبادة والجهاد ومجالات النفع للمسلمين وجزاكم الله خيراً؟
أما بالنسبة للتوازن فللعبادة الخاصة عليه أن يعنى بما أوجب الله عليه، وما يسدد به ويرقع به خروم هذه العبادات، من نوافلها المطلوبة لتكميلها، عليه الصلوات المفروضة وتكميلها بالرواتب، وعليه بما حافظ النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه، وبما حث عليه وما جاء عنه، عليه بالصيام والإكثار من نوافل الصيام من الأيام التي جاء الحث على صيامها ولا يصرف همه إلى عبادة من العبادات بحيث تعوقه عن غيرها، عليه أن ينوع هذه العبادات فتنويع العبادات كما أشرنا سابقاً من مقاصد الشرع.
لكن قد يفتح للإنسان باب يسهل عليه التلذذ بهذه العبادة وينشرح صدره لها ويسهل عليه غيرها، فيكثر من هذه العبادة ولا ينسى غيرها مع أن الطالب في دور الشباب عليه أن يتجه إلى العلم، إلى تحصيل العلم، وما علمه يعمل به، ويدعو غيره إليه، وعليه أن يكون في أموره متوازناً بحيث لا يتجه إلى العلم بالكلية ويترك الأمر والنهي والدعوة ويترك أيضاً نوافل العبادات مشتغلاً بالعلم؛ أهل العلم يقولون: أن الاشتغال بالعلم أفضل من نوافل العبادات، لكن يبقى أن المسألة توازن، يعني أفضل من نوافل العبادات هل تترك الرواتب من أجل تحصيل العلم؟ لا تترك الرواتب وهي من نوافل العبادات من أجل تحصيل العلم، نعم الذي له عادة يقرأ القرآن في ثلاث، وقراءته القرآن في ثلاث تعوقه عن متابعة تحصيل العلم، نقول: يا أخي اقرأ القرآن في سبع واصرف بقية الوقت لتحصيل العلم، الذي يصلي اليوم والليلة مائة ركعة، نقول: صل أربعين ركعة وزد عليها الشيء اليسير بحيث تصرف بقية الوقت إلى تحصيل العلم، وهكذا بقية نوافل العبادة، على الإنسان أن يكون في أموره كلها متوازناً.
والله المستعان.