[size=25]الصبر عن المعصية ينشأ من أسباب عديدة ذكرها ابن القيم في كتابه الرائع "طريق الهجرتين وباب السعادتين" نذكر منها باختصار:
أحدها علم العبد بقبحها ورذالتها ودناءتها وأن الله إنما حرمها ونهى عنها صيانة وحماية عن الدنايا والرذائل.
السبب الثاني الحياء من الله سبحانه فإن العبد متى علم بنظره إليه ومقامه عليه وأنه بمرأى منه ومسمع-وكان حييا- استحيى من ربه أن يتعرض لمساخطه .
السبب الثالث مراعاة نعمه عليك وإحسانه إليك فإن الذنوب تزيل النعم ولابد فما أذنب عبد ذنبا إلا زالت عنه نعمة من الله بحسب ذلك الذنب فإن تاب وراجع رجعت إليه أو مثلها وإن أصر لم ترجع إليه,ولا تزال الذنوب تزيل عنه نعمة نعمة حتى تسلب النعم كلها قال الله تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" وأعظم النعم الإيمان وذنب الزنا والسرقة وشرب الخمر وانتهاب النهبة يزيلها ويسلبها وفي مثل هذا قيل:
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وبالجملة فإن المعاصي نار النعم تأكلها كما تأكل النار الحطب.
السبب الرابع خوف الله وخشية عقابه وهذا إنما يثبت بتصديقه في وعده ووعيده والإيمان به وبكتابه وبرسوله وهذا يقوى بالعلم واليقين ويضعف بضعفهما قال الله " إنما يخشى الله من عباده العلماء". وقال بعض السلف كفى بخشية الله علما وبالإغترار بالله جهلا.
السبب الخامس محبة الله وهي من أقوى الأسباب في الصبر عن مخالفته ومعاصيه فإن المحب لمن يحب مطيع وكلما قوي سلطان المحبة في القلب كان اقتضاؤه للطاعة وترك المخالفة أقوى.وإنما تصدر المعصية والمخالفة من ضعف المحبة وسلطانها.
السبب السادس شرف النفس وزكاؤها وفضلها وأنفتها وحميتها أن تختار الأسباب التي تحطها وتضع قدرها وتخفض منزلتها وتحقرها وتسوي بينها وبين السفلة.
السبب السابع قصر الأمل وعلمه بسرعة إنتقاله وأنه كمسافر دخل قرية وهو مزمع على الخروج منها,فهو لعلمه بقلة مقامه وسرعة انتقاله حريص على ترك ما يثقله حمله ويضره ولا ينفعه ,حريص على الإنتقال بخير ما بحضرته فليس للعبد أنفع من قصر الأمل ولا أضر من التسويف وطول الأمل.
السبب الثامن مجانبة الفضول في مطعمه ومشربه وملبسه ومنامه واجتماعه بالناس فإن قوة الداعي إلى المعاصي إنما تنشأ من هذه الفضلات فإنها تطلب لها مصرفا فيضيق عليها المباح فتتعداه إلى الحرام ومن أعظم الأشياء ضررا على العبد بطالته وفراغه فإن النفس لا تقعد فارغة بل إن لم يشغلها بما لم ينفعها شغلته بما يضره ولابد.
السبب التاسع وهو الجامع لهذه الأسباب كلها ثبات شجرة الإيمان في القلب فصبر العبد عن المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه فإن من باشر قلبه الإيمان بقيام الله عليه ورؤيته له وتحريمه لما حرم عليه وبغضه له ومقته لفاعله وباشر قلبه الإيمان بالثواب والعقاب والجنة والنار امتنع من ألا يعمل بموجب هذا العلم ومن ظن أنه يقوى على ترك المخالفات والمعاصي بدون الإيمان الراسخ الثابت فقد غلط.
يتبع..
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا
[/size]