س)- هل كل من أثبت الفوقية لله عز وجل يكون مشبه؟
لَقد اشتُهر عند الخلفِ نِسبةُ كُلِّ مَن يُثبِتُ الفوقيَّةَ لله تعالى إلى أنَّهُ مُشَبِّهٌ أو مُجَسِّمٌ أو إلى أنَّه يَنسِبُ لله الجهةَ والمكانَ ؛ فَهذهِ ثلاثةُ أمورٍ لا بُدَّ مِن إزالةِ الشُبَهِ عَنها. مختصرُ العلوِّ للعليِّ الغفارِ.
س)- هل القرآن الكريم كلام الله حقيقة ام مجاز؟
مِن أكبَرِ الفِتنِ التي أصابت بَعضَ الفِرقِ الإسلاميةِ بِسَبَبِ عِلمِ الكلامِ أنَّهُ انحرَفَ بِهِم عن الإيمانِ بأن القرآنَ الكريمَ هُوَ كَلامُ رَبِّ العالمينَ حَقيقَةً لا مَجازاً، أما المعتزلةُ الذينَ يَقولونَ بأنَّهُ مَخلوقٌ فأمْرُهُم في ذلكَ واضِحٌ مَفضُوحٌ ، لكنَّ هناكَ طائفةً تَنتَمي إلى السُّنةِ وَتَرُدُّ على المعتزِلَةِ هذا القَولَ وَغَيرَهُ مما انحرَفَ فيهِ عن الإسلامِ ألا وهم الأشاعِرةُ والماتُريدِيَّةُ فإنَّهم في الحَقيقَةِ مُوافِقونَ للمعتزِلَةِ في قَولِهِم بِخَلقِ القرآنِ وأنَّهُ لَيسَ مِن قَولِ رَبِّ العالمينَ، إلا أنَّهم لا يُفصِحون بذلكَ وَيَتَستَّرونَ وَراءَ تَفسيرِهِم للكلامِ الإلهيِّ بأنَّهُ نَفسيٌّ قَديمٌ غَير مَسموعٍ مِن أحدٍ من الملائكةِ والمرسلينَ وأنَّهُ تَعالى لا يَتَكلَّمُ إذا شاءَ وأنَّهُ مُتكَلِّمٌ مُنذُ الأزَلِ. شرحُ العقيدةِ الطحاويَّةِ.
س)- هل يجوز الحلف بصفات الله تعالى ؟
في قوله صلى الله عليه وسلم (يؤتى بأشد الناس كان بلاء في الدنيا من أهل الجنة، فيقول اصبغوه صبغة في الجنة، فيصبغونه فيها صبغة، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط أو شيئا تكرهه؟ فيقول لا وعزتك ما رأيت شيئا أكرهه قط....الحديث) جواز الحلف بصفة من صفات الله تعالى، ومن أبواب البيهقي في(السنن الكبرى) (باب ما جاء في حلف بصفات الله تعالى كالعزة، والقدرة، والجلال، والكبرياء، والعظمة، والكلام، والسمع، ونحو ذلك) ، ثم ساق تحته أحاديث، وأشار إلي هذا الحديث، واستشهد ببعض الآثار عن ابن مسعود وغيره، وقال
فيه دليل على أن الحلف بالقرآن يكون يميناً...).انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1167.
س)- هل من اسماء الله تعالى اسم القديم؟
ليس من أسماء الله تعالى (القديم) وإنما هو من استعمال المتكلمين فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القرآن - هو المتقدم على غيره فيقال : هذا قديم للعتيق وهذا جديد للحديث ولم يستعملوا هذا الاسم إلا في المتقدم على غيره لا فيما لم يسبقه عدم كما قال تعالى : (حتى عاد كالعرجون القديم)يس 39 ، والعرجون القديم الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني فإذا وجد الجديد قيل للأول قديم وإن كان مسبوقا بغيره كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" ، قال شارح الطحاوية "لكن أفاد الشيخ ابن مانع فيما نقله عن ابن القيم في "البدائع" أنه يجوز وصفه سبحانه بالقدم بمعنى أنه يخبر عنه بذلك وباب الأخبار أوسع من باب الصفات التوقيفية".
قلت : ولعل هذا هو وجه استعمال شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الوصف في بعض الأحيان. انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
س)- ما معنى خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ المذكورة في الحديث (إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ)؟
يرجع الضمير في قوله (على صورته) إلي آدم عليه السلام؛ لأنه أقرب مذكور؛ ولأنه مصرح به في رواية اخرى للبخاري عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ (خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً) ، أما حديث(....على صورة الرحمن)؛ فهو منكر. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 862.
س)- هل يرى المؤمنين ربهم يوم القيامة؟
أخرج الآجري في "الشريعة" (ص 263- 264): حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال: حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير العنبري قال: حدثني أبي يحيى بن كثير قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أسلم العجلي عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري- عن النبي - صلى الله عليه وسلم قال:بينما هو يعلمهم من أمر دينهم إذْ شَخَصَتْ أبصارهم، فقال (ما أَشْخَصَ أبصاركم عني ؟ قالوا: نَظرْنا إلى القمرِ ، قال : فكيف بكم إذا رأيتم الله جَهْرَةً؟!).
ففي هذا الحديث رد على المعتزلة والإباضية المنكرين لهذه النعمة العظيمة: رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ، وعلى المثبتين لها الذين تأولوها بمعنى العلم . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم3056.
س)- هل ثبت لفظ الصوت الإلهي في حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم ؟
أخرج البخاري (5/ 241)، ومسلم (1/ 139)، وأحمد (3/ 32- 33) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً (يقولُ الله عزّ وجلّ يوم القيامةِ: يا آدمُ! فيقولُ: لبيك ربَّنا! وسعدَيك، فيُنادى بصوتٍ: إنّ الله يأمُرك أن تُخرجَ من ذرِّيتكَ بعثاً إلى النّارِ. قال: يا ربِّ! وما بعثُ النّارِ؟ قال: من كلِّ ألفٍ- أراه قال-:تِسع مِئةٍ وتسعةً وتسعين، فحينئذٍ تضعُ الحاملُ حملها، ويشيبُ الوليدُ، (وترى الناس سُكارى وما هُم بِسُكارى ولكنَّ عذاب الله شديدٌ). فشقَّ ذلك على الناسِ حتَى تغيَّرت وجوهُهُم، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: من يأجوج تسع مئةٍ وتسعةً وتسعين، ومنكم واحدٌ. ثم أنتُم في الناسِ كالشعرةِ السوداءِ في جنَّبِ الثورِ الأبيضِ،أو كالشعرة البيضاء في جنبِ الثور الأسودِ، وإنِّي لأرجُو أن تكونُوا رُبُع أهلِ الجنّةِ؛ فكبَّرنا،
ثمّ قال: ثُلُث أهلِ الجنة؛ فكبَّرنا، ثمَّ قال: شطرَ أهل الجنّة ؛ فكبَّرنا).
وفي ذلك رد على البيهقي في قوله: "ولم يثبت لفظ الصوت في حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم"!
ثم تأول الحديث بأن الصوت راجع إلى مَلكٍ أو غيره كما بينه الحافظ عنه،ثم أشار إلى رده بقوله:
"وهذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة، ويلزم منه أن الله لم يُسمع أحداً من ملائكته ورسله كلامه، بل ألهمهم إياه ".
قلت: وهذا باطل مخالف لنصوص كثيرة، وحسبك منها قول الله تبارك وتعالى في مكالمته لموسى: (فاستمع لِما يُوحى) [طه: 13].
ثم قال:"وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين، لأنها
التي عُهد أنها ذات مخارج. ولا يخفى ما فيه؛ إذ الصوت قد يكون من غير مخرج كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق. سلمنا؛ لكن نمنع القياس المذكور، وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق، وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة، وجب الإيمان به، ثم إما التفويض، وإما التأويل. وبا لله التوفيق ".
قلت: بل الإيمان كما نؤمن بسائر صفاته، مع تفويض معرفة حقائقها إلى المتصف بها سبحانه وتعالى كما قال
ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)[الشورى: 11]. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم3250.
س)- صح في الحديث (إن الله عز وجل قبض قبضة ، فقال: في الجنة برحمتي ، وقبض قبضة ، وقال: في النار ولا أبالي).
قد يفهم البعض من هذا الحديث أن الإنسان مجبور على أعماله الاختيارية , ما دام أنه حكم عليه منذ القديم وقبل أن يخلق بالجنة أو النار؟
إن كثيراً من الناس يتوهمون أن هذا الحديث – ونحوه أحاديث كثيرة – تفيد أن الإنسان مجبور على أعماله الاختيارية , ما دام أنه حكم عليه منذ القديم وقبل أن يخلق : بالجنة أو النار.
وقد يتوهم آخرون أن الأمر فوضى أو حظ , فمن وقع في القبضة اليمنى , كان من أهل السعادة , ومن كان من القبضة الأخرى , كان من أهل الشقاوة.
فيجب أن يعلم هؤلاء جميعاً أن الله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الشورى 11 , لا في ذاته , ولا في صفاته , فإذا قبض قبضة , فهي بعلمه وعدله وحكمته , فهو تعالى قبض باليمنى على من علم أنه سيطيعه حين يؤمر بطاعته , وقبض بالأخرى على من سبق في علمه تعالى أنه سيعصيه حين يؤمر بطاعته , ويستحيل على عدل الله تعالى أن يقبض باليمنى على من هو مستحق أن يكون من أهل القبضة الأخرى , والعكس بالعكس , كيف والله عز وجل يقول (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) القلم 35-36 .
ثم إن كلاً من القبضتين ليس فيها إجبار لأصحابهما أن يكونوا من أهل الجنة أو من أهل النار , بل هو حكم من الله تبارك وتعالى عليهم بما سيصدر منهم , من إيمان يستلزم الجنة , أو كفر يقتضي النار والعياذ بالله تعالى منها , وكل من الإيمان أو الكفر أمران اختياريان , لا يكره الله تبارك وتعالى أحداً من خلقه على واحد منهما (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكهف 29 , وهذا مشاهد معلوم بالضرورة , ولولا ذلك , لكان الثواب والعقاب عبثاً , والله منزه عن ذلك.
ومن المؤسف حقاً أن نسمع من كثير من الناس – حتى من بعض المشايخ – التصريح بأن الإنسان مجبور لا إرادة له , وبذلك يلزمون أنفسهم القول بأن الله يجوز له أن يظلم الناس , مع تصريحه تعالى بأنه لا يظلمهم مثقال ذرة , وإعلانه بأنه قادر على الظلم , ولكنه نزه نفسه عنه , كما في الحديث القدسي المشهور (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي ..) , وإذا جوبهوا بهذه الحقيقة , بادروا إلى الاحتجاج بقوله تعالى (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) الأنبياء 23 , مصرين بذلك على أن الله تعالى قد يظلم , ولكنه لا يسأل عن ذلك تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وفاتهم أن الآية حجة عليهم ,لأن المراد بها – كما حققه العلامة ابن القيم في (شفاء العليل) وغيره- أن الله تعالى لحكمته وعدله في حكمه ليس لأحد أن يسأله عما يفعل , لأن كل أحكامه تعالى عدل واضح , فلا داعي للسؤال.
وللشيخ يوسف الدجوي رسالة مفيدة في تفسير هذه الآية , لعله أخذ مادتها من كتاب ابن القيم المشار إليه آنفاً , فليراجع.
هذه كلمة سريعة حول الأحاديث المتقدمة , حاولنا فيها إزالة شبهة بعض الناس حولها , فإن وفقت لذلك , فبها ونعمت , وإلا أحيل القارئ إلى المطولات في هذا البحث الخطير , مثل كتاب ابن القيم السابق , وكتب شيخه ابن تيمية الشاملة لمواضيع هامة هذا أحدها. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم47.
س)- ما وجبنا نحو أحاديث الصفات؟
أعلم أن أحاديث الصفات يجب أمرارها على ظاهرها دون تعطيل، أو تشبيه، كما هو مذهب السلف، وليس مذهبهم التفويض كما يزعم الكوثري وأمثاله من المعطلة، كما شرحه ابن تيمية في رسالته(التدمرية)وغيرها والتفويض بزعمهم إمرار النصوص بدون فهم مع الإيمان بألفاظها ولازم ذلك نسبة الجهل إلي السلف بأعز شئ لديهم وأقدسه عندهم وهو أسماء الله وصفاته.
ومن عرف هذا علم خطورة ما ينسبونه إليهم. والله المستعان و راجع لهذا مقدمتي لكتابي "مختصر العلو للذهبي" ، يسر الله طبعه .. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم756.